السبت، 26 نوفمبر 2022

وهديناه النجدين

 

 

 

يعتبر الكثير منا مسألة الخير والشر والصح والخطأ مسألة نسبية، فلا يوجد خير مطلق ولا شر مطلق، كما لا يوجد صحيح على مطلقه ولا خطأ على المطلق، و نبقى في حياتنا حائرين دوماً ما بين الصح والخطأ، أو ما بين الخير والشر، والحق والباطل، فأصبحت مسألة التمييز بين الخير والشر والحق والباطل مسألة شديدة التعقيد ومحيرة، فما أراه صحيح قد يراه غيري خاطئ، وما أراه باطلاً يقتنع غيري بأنه الحق الذي لا لبس فيه !! فمن على صواب؟ ومن على خطأ ؟ سؤال يستحوذ على تفكير العديد منا، هل أنا على حق؟ هل ما أفعله صحيح؟ ويبقى السؤال الأكبر والأهم ، ما المقياس ؟ فالمقاييس والمعايير لدينا تختلف بدرجات كبيرة ومتفاوتة باختلاف الدين والبيئة والثقافة والمجتمع...الخ، فلكل منا معاييره التي تكون معتبرة لديه عند الحكم على مسألة أو موقف بالصحة أو بالخطأ، ولكلٍ مقاييسه التي يعتمدها في تبيان الحق من الباطل، هذا إذا افترضنا طبعاً أن الجميع يحب أن تكون له معايير ومبادئ ومنهجية في الحياة يسير عليها!! فلا نستطيع انكار وجود البعض الذي لا يهتم بمعايير ولا حتى بمدى صحة ما يفعل، ولا ننكر أيضاً أن البعض يجد المتعة في فعل ما يجده مجتمعه – بحسب معايير ذلك المجتمع – خاطئ، فالولوغ في الخطأ عند البعض هو بحد ذاته متعة ومغامرة !! ولكن لو افترضنا أن الجميع حريصون على فعل ما يعتقدون بصحته، فما هو المقياس والمعيار الذي على أساسه نستطيع الحكم على فعل ما بالصحة أو بالخطأ ؟ وهل يوجد مقاييس ومعايير تتوحد حولها البشرية ؟ للأسف لا أرى ذلك في واقعنا، فكما أسلفت ما يكون صحيح من وجهة نظري أو وجهة نظر مجتمعي قد يكون خاطئ من وجهة نظر آخر ينتمي لمجتمع آخر بمعايير أخرى، وهل فعلا يوجد حق وباطل؟ وهل يوجد صح وخطأ؟ وهل هناك حق دامغ لا لبس فيه؟ وهل يوجد باطل صارخ يجهر الأعين بوضوحه؟ وهل توجد فضيلة وبالمقابل رذيلة؟ فأيضاً الفضائل والرذائل تختلف باختلاف ألوان البشر وعاداتهم، فما يكون رذيلة في مجتمع ما قد يكون فضيلة في مجتمع آخر، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً ولستُ هنا بصدد سردها، كما قد يختلف شقيقان أو صديقان على مبدأ معين فيما إذا كان صواب أم خطأ ، وهما قد عاشا نفس الظروف وضمن نفس المجتمع! إذاً هل يعني ذلك عدم وجود صحيح بالمطلق أو خطأ بالمطلق؟ وهل يعني أن مسألة الصح والخطأ هي مسألة نسبية ولا جزم فيها؟ اسئلة محيرة لمن لا يملك أي دليل على صحة منهج وطريق أو خطأه ،  في خضم كل هذه الاسئلة التي أشغلت تفكيري حيناً من الزمن انتبهتُ لقوله تعالى: " وهديناه النجدين"، توقفت لحظات عند الآية الكريمة، يا الله! حفظنا هذه الآية في طفولتنا البريئة الجاهلة الساذجة! ودوماً ما نرددها ! هي آية من كلمتين اثنتين ، ولكن فيهما من المعاني ما تتسع له المجلدات الضخمة، ما استوقفني في الآية هو أنها الجواب الشافي و الحل الكافي . إذاً يوجد نجدين! يوجد طريقين، يوجد حق مطلق لا لبس فيه ويوجد باطل ظاهر واضح كوضوح الشمس، يوجد يمين كما يوجد يسار، يوجد صح ويوجد خطأ، نحن من نختار، إذا يوجد من يختار الصح، كما يوجد أيضاً من يختار الخطأ، الله سبحانه وتعالى يقول ذلك في كتابه الكريم في العديد من الآيات التي تصف المشركين وحسرتهم على ما اختاروا في الدنيا.

الله سبحانه هو من خلقنا، وهو عز وجل من أعطانا العقل لنميز به بين الحق والباطل، وهو سبحانه من يعلم بقدرتنا على التمييز بين الحق والباطل فهو سبحانه من خلق هذه الأجساد من طين لازب ونفخ فيها من روحه ووهبنا العقول التي تفكر وميزنا بالعلم وفضلنا به على سائر مخلوقاته، الله سبحانه وتعالى يعلم أننا نعي وندرك ونختار ما نفعل، لذلك سيحاسبنا على هذه الأفعال والاختيارات، قد يدرك هذه الحقيقة انسان بسيط محدود التفكير يرعى الغنم في الصحراء، وهذا فتح من الله عليه، قد يدركها ببساطته وقربه من الفطرة، بينما نعجز عن اكتشافها نحن من لوثت الحياة ومؤثراتها تفكيرنا وطمست فطرتنا !

إذاً يوجد معايير ثابتة ومقاييس لا تتغير لما هو صح وما هو خطأ، هي المعايير الربانية ،  فنحن نسعى في الحياة الدنيا ونعمل وفق نظم ومعايير وقوانين ربانية – أفسدنا الكثير منها للأسف- فالحياة أجدى بها أن تكون في السعي ضمن دائرة الصحيح الموافق للمعايير الالهية، فعند تجاوز هذه الدائرة نقع في المحظور والممنوع ، حتى وان فعل الجميع هذا المحظور ! فكثرة المتجاوزين لا تبرر أو تبيح التجاوز، وعندما نعمل ونفكر ونتخذ قراراتنا في الحياة وفق المعايير الالهية نجد الراحة للضمير والسكون للوجدان والرضا للنفس لأننا نكون قد اتبعنا الحق المطلق الذي لا لبس فيه والذي ينكر الكثير وجوده، فاختلاق الضبابية بين الحق والباطل هو محاولة لطمس وضوح الحق ، فلا ضبابية ولا تداخل ولا نسبية ، الله سبحانه وتعالى جزم المسألة بوجود النجدين أي الطريقين أي إما حق وهدى وإما باطل وضلال، ونحن واجبنا في هذه الحياة البحث عن الحق واتباعه حتى لو كان على خلاف اهوائنا ، ولا يسعنا أثناء رحلتنا في هذه الدنيا إلا الدعاء بما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق