السبت، 26 نوفمبر 2022

خليك واقعي!

 

 

خليك واقعي!

  الواقعية هي حالة يصنفها كل منا في ذهنه وعقله ويفسر بها الأمور بحسب ادراكه ورؤيته لها، فما الواقعية؟ لستُ هنا بصدد إعطاء تعريفات علمية للواقعية ، فهذا ليس مجال حديثنا، ولكني أقصد الواقعية من وجهة نظر كل واحد منا، فلكلٍ منا تعريفه الخاص للواقعية ، فقد يجد أحدنا الواقعية في رؤية السواد والظلام فقط ووضع العقبات أمام كل مهمة وانتقاد أي انجاز والتقليل من قيمته أو أثره، وقد يجد آخر الواقعية في التشكيك في نوايا الناس وتحميل كلامهم بما لا يتحمله على اعتبار أن عصر السذاجة والبراءة قد ولّى وأنه لم يعد الناس يقولون ما يقصدونه فعلياً! وإذا سألت هذا الشخص – المشكِّك – عن سبب تشكيكه في نوايا الناس فسوف يقول عن نفسه أنه "واقعي"!

وآخر قد يرى الواقعية في التسلق على أكتاف الآخرين وطلب ما لا يستحق على حساب من يستحق ويجد هذا المتسلق فعله هذا "عقلاني" من وجهة نظره، ولا يلوم نفسه أبداً أو يشعر بالذنب فهو يرى أنه "واقعي" ومتكيف مع متطلبات العصر!  

وشخص رابع يفسر تصرفات الناس على ظاهرها ولا يشغل نفسه ببواطن الأمور أو ما تخفي الصدور على اعتبار أن الخير موجودٌ مهما ضعف وخفُتَ صوته ، وأن الحق لابد أن يَبين ويظهر حتى وإن طال أمدُ الباطل وزادت قوته، ويجد هذا الشخص طريقته في التفكير "واقعية" رغم ما يُتّهمُ به من السذاجة والسطحية في التفكير والبعد عن "الواقع" من قِبَل المحيطين به !

إذا الواقعية هي بذاتها ليست واقع مشترك، بل هي حالة من الادراك للواقع، فطلوع الشمس من مشرقها هو واقع، ولكن يختلف إحساس الناس وإدراكهم لهذا الواقع، فمنهم من تشرق عليه الشمس وقد فقد شخصاً عزيزاً عليه، أو تشرق على آخر في غياهب السجن، أو قد تشرق على ثالثٍ قد تحققت أغلى أمانيه أو نال مالاً أو شرفاً ، حينها لن يتساوى إدراك واقع طلوع الشمس وإشراقها بين الجميع، بل سيرى كل منهم الاشراق بمنظور مختلف وسيشعر به أيضاً بطريقة مختلفة.

إذاً ليصنع كل منا لنفسه واقعاً يعيشه ويرى من خلاله ويجعله بمثابة (الفلتر) الذي يفلتر به الوقائع والأحداث ، لأن الواقع هو في الواقع حالة افتراضية نعيشها في أذهاننا ونفسر بحسبها الأمور، فالواقع شيء  معقد جداً وخاص جداً حتى يكاد ان يكون كبصمة الاصبع لا تتطابق بين شخصين أبداً ، فهو يختلف باختلاف الناس واختلاف معتقداتهم وإيمانهم  و رؤاهم وجميع العوامل والتعقيدات الداخلة والمؤثرة في النفس البشرية. 

وأخيراً، ليرى كلٌ منا واقعه بطريقته، فإن لم يعجبه واقعه فليصنع واقعاً غيره بدلاً من أن يسبح في تيار واقع لا يريده وغير راضٍ عنه ، ولكن إن اختار السباحة فلا يلوم الصانع.

وهديناه النجدين

 

 

 

يعتبر الكثير منا مسألة الخير والشر والصح والخطأ مسألة نسبية، فلا يوجد خير مطلق ولا شر مطلق، كما لا يوجد صحيح على مطلقه ولا خطأ على المطلق، و نبقى في حياتنا حائرين دوماً ما بين الصح والخطأ، أو ما بين الخير والشر، والحق والباطل، فأصبحت مسألة التمييز بين الخير والشر والحق والباطل مسألة شديدة التعقيد ومحيرة، فما أراه صحيح قد يراه غيري خاطئ، وما أراه باطلاً يقتنع غيري بأنه الحق الذي لا لبس فيه !! فمن على صواب؟ ومن على خطأ ؟ سؤال يستحوذ على تفكير العديد منا، هل أنا على حق؟ هل ما أفعله صحيح؟ ويبقى السؤال الأكبر والأهم ، ما المقياس ؟ فالمقاييس والمعايير لدينا تختلف بدرجات كبيرة ومتفاوتة باختلاف الدين والبيئة والثقافة والمجتمع...الخ، فلكل منا معاييره التي تكون معتبرة لديه عند الحكم على مسألة أو موقف بالصحة أو بالخطأ، ولكلٍ مقاييسه التي يعتمدها في تبيان الحق من الباطل، هذا إذا افترضنا طبعاً أن الجميع يحب أن تكون له معايير ومبادئ ومنهجية في الحياة يسير عليها!! فلا نستطيع انكار وجود البعض الذي لا يهتم بمعايير ولا حتى بمدى صحة ما يفعل، ولا ننكر أيضاً أن البعض يجد المتعة في فعل ما يجده مجتمعه – بحسب معايير ذلك المجتمع – خاطئ، فالولوغ في الخطأ عند البعض هو بحد ذاته متعة ومغامرة !! ولكن لو افترضنا أن الجميع حريصون على فعل ما يعتقدون بصحته، فما هو المقياس والمعيار الذي على أساسه نستطيع الحكم على فعل ما بالصحة أو بالخطأ ؟ وهل يوجد مقاييس ومعايير تتوحد حولها البشرية ؟ للأسف لا أرى ذلك في واقعنا، فكما أسلفت ما يكون صحيح من وجهة نظري أو وجهة نظر مجتمعي قد يكون خاطئ من وجهة نظر آخر ينتمي لمجتمع آخر بمعايير أخرى، وهل فعلا يوجد حق وباطل؟ وهل يوجد صح وخطأ؟ وهل هناك حق دامغ لا لبس فيه؟ وهل يوجد باطل صارخ يجهر الأعين بوضوحه؟ وهل توجد فضيلة وبالمقابل رذيلة؟ فأيضاً الفضائل والرذائل تختلف باختلاف ألوان البشر وعاداتهم، فما يكون رذيلة في مجتمع ما قد يكون فضيلة في مجتمع آخر، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً ولستُ هنا بصدد سردها، كما قد يختلف شقيقان أو صديقان على مبدأ معين فيما إذا كان صواب أم خطأ ، وهما قد عاشا نفس الظروف وضمن نفس المجتمع! إذاً هل يعني ذلك عدم وجود صحيح بالمطلق أو خطأ بالمطلق؟ وهل يعني أن مسألة الصح والخطأ هي مسألة نسبية ولا جزم فيها؟ اسئلة محيرة لمن لا يملك أي دليل على صحة منهج وطريق أو خطأه ،  في خضم كل هذه الاسئلة التي أشغلت تفكيري حيناً من الزمن انتبهتُ لقوله تعالى: " وهديناه النجدين"، توقفت لحظات عند الآية الكريمة، يا الله! حفظنا هذه الآية في طفولتنا البريئة الجاهلة الساذجة! ودوماً ما نرددها ! هي آية من كلمتين اثنتين ، ولكن فيهما من المعاني ما تتسع له المجلدات الضخمة، ما استوقفني في الآية هو أنها الجواب الشافي و الحل الكافي . إذاً يوجد نجدين! يوجد طريقين، يوجد حق مطلق لا لبس فيه ويوجد باطل ظاهر واضح كوضوح الشمس، يوجد يمين كما يوجد يسار، يوجد صح ويوجد خطأ، نحن من نختار، إذا يوجد من يختار الصح، كما يوجد أيضاً من يختار الخطأ، الله سبحانه وتعالى يقول ذلك في كتابه الكريم في العديد من الآيات التي تصف المشركين وحسرتهم على ما اختاروا في الدنيا.

الله سبحانه هو من خلقنا، وهو عز وجل من أعطانا العقل لنميز به بين الحق والباطل، وهو سبحانه من يعلم بقدرتنا على التمييز بين الحق والباطل فهو سبحانه من خلق هذه الأجساد من طين لازب ونفخ فيها من روحه ووهبنا العقول التي تفكر وميزنا بالعلم وفضلنا به على سائر مخلوقاته، الله سبحانه وتعالى يعلم أننا نعي وندرك ونختار ما نفعل، لذلك سيحاسبنا على هذه الأفعال والاختيارات، قد يدرك هذه الحقيقة انسان بسيط محدود التفكير يرعى الغنم في الصحراء، وهذا فتح من الله عليه، قد يدركها ببساطته وقربه من الفطرة، بينما نعجز عن اكتشافها نحن من لوثت الحياة ومؤثراتها تفكيرنا وطمست فطرتنا !

إذاً يوجد معايير ثابتة ومقاييس لا تتغير لما هو صح وما هو خطأ، هي المعايير الربانية ،  فنحن نسعى في الحياة الدنيا ونعمل وفق نظم ومعايير وقوانين ربانية – أفسدنا الكثير منها للأسف- فالحياة أجدى بها أن تكون في السعي ضمن دائرة الصحيح الموافق للمعايير الالهية، فعند تجاوز هذه الدائرة نقع في المحظور والممنوع ، حتى وان فعل الجميع هذا المحظور ! فكثرة المتجاوزين لا تبرر أو تبيح التجاوز، وعندما نعمل ونفكر ونتخذ قراراتنا في الحياة وفق المعايير الالهية نجد الراحة للضمير والسكون للوجدان والرضا للنفس لأننا نكون قد اتبعنا الحق المطلق الذي لا لبس فيه والذي ينكر الكثير وجوده، فاختلاق الضبابية بين الحق والباطل هو محاولة لطمس وضوح الحق ، فلا ضبابية ولا تداخل ولا نسبية ، الله سبحانه وتعالى جزم المسألة بوجود النجدين أي الطريقين أي إما حق وهدى وإما باطل وضلال، ونحن واجبنا في هذه الحياة البحث عن الحق واتباعه حتى لو كان على خلاف اهوائنا ، ولا يسعنا أثناء رحلتنا في هذه الدنيا إلا الدعاء بما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه".

السبت، 5 نوفمبر 2022

كارين دايفيس

شدني برنامج على قناة ناشونال جيوغرافي عن رحلة مصورة بريطانية اسمها كارين دايفيس لباكستان وأفغانستان واستغربت من كل الاهتمام الغربي بهذا الجزء من العالم الاسلامي مع اهمالنا الشديد لهذه المناطق حتى كدنا ننسى أنها جزء منا بل تكاد لاتسمع عن هذه المنطقة الا في نشرة الأخبار وذلك من ضمن أخبار قوات حلف الشمال الأطلسي والأمم المتحدة وجهودها في مكافحة الارهاب !!! أما كارين دايفيس فكانت رحلتها مختلفة عن رحلات مراسلينا العرب فقد كانت عن الفقر والجوع ووضع النساء والأطفال الرضع ومكافحة الأوبئة وأمراض سوء التغذية وأذكر جهود الصحفية هنا ليس للاشادة بدورها -وان كانت فعلاً تستحق الشكر- ولكن للمقارنة بين اهتماماتنا واهتماماتهم فالصحف البريطانية تعج بمواضيع التنمية في باكستان وأفغانستان ، مصورون -صحفيون - مراسلون - مواضيع - تحقيقات - برامج كلها عن قضايا التنمية في هذه البقعة المهمة من العالم الاسلامي بينما نحن مشغولون في اعلامنا بقضايا (سني - شيعي - قبيلي - قيادة المرأة - دوري - كأس -مباراة - مقابلات حصرية مع أبطال المسلسلات والأفلام ! ) بل وصل الحد عند بعض "مثقفينا " لانكار تصنيف أو مسمى (العالم الاسلامي ) !

نظرية المؤامرة

البعض من إعلامينا الأفاضل ومثقفينا ينكرون انكاراً تاماً نظرية المؤامرة بحجة أن لا دليل لدينا عليها ولا أدري حقيقة ما دليلهم على عدمها !! ان من يقرأ التاريخ يجد العجب العجاب فالمؤامرة - ولن أقول نظرية - واضحة ظاهرة صريحة في أحداثه كلها عبر الأزمان ومنذ نشأة هذا الدين المؤامرة موجودة وملازمة لهذه الأمة منذ ولادتها على مر العصور ولن أسترسل في سرد أمثلةعلى المؤامرات الدنيئة التي حيكت لهذا الدين وهذه الأمة لأن هذا يحتاج لمؤلفات عملاقة وكلامي هذا ليس خطاب ديني حماسي ولكنه واقعي ونابع من الحقائق الدامغة التي لا ينكرها الا اما جاهل بحقيقة الصراع أو عميل فمن يقرأ التاريخ لن يحتاج مني لدليل ولكن من يحاول أن يغطي عين الشمس بغربال فهذه مشكلته هو .