الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

المستقبل

ما هو المستقبل؟
المستقبل هو حاضر الغد الذي لم نعشه بعد ، وسيصبح ماضي بعد أن نعيشه ، فنحن اليوم نعيش مستقبل الأمس، وغداً سنعيش مستقبل اليوم .
يعمل الجميع لبناء المستقبل فيؤجلون بعض اللقاءات الهامة بالأحبة ويؤجلون القيام ببعض العبادات أو الأعمال الهامة أو حتى العادية ويؤجلون قضاء المزيد من الوقت مع الأهل والأبناء، فيؤجلون ويؤجلون ويؤجلون، كل ذلك لـ "بناء" المستقبل، أو "تأمين" المستقبل ،أو "الاستعداد" للمستقبل، ولا يعلم أحدنا أنه يعيش المستقبل، فنحن حقيقةً نعيش في المستقبل  وليس في الماضي، ومع ذلك نبقي عقولنا حبيسة الماضي ونبقى بأجسادنا وأرواحنا نتطلع لمستقبل هو في حقيقته بيننا نعيشه على أرض الواقع ظناً منا أنه (الحاضر) ، فاليوم ليس هو الحاضر بل هو المستقبل، الحاضر فقط هو هذا الجزء من الثانية الذي يدخل إلى رئتي فيه نفس أو يخرج ، بينما باقي أجزاء الثانية هو في الواقع مستقبل أولها. ورغم كل ذلك ، نظل ندور في ساقية الماضي ظنا منا أننا نستعد للمستقبل البعيد الذي نتطلع إليه وهو يعيش فقط في عقولنا نصنعه فيها ونربيه ونحن في حقيقة الأمر إنما نعيش المستقبل ، إذا المستقبل هو واقعنا وما نحن فيه اليوم ، فهذه الساعة هي مستقبل الساعة التي قبلها وهي ماضي الساعة التي بعدها ، وهذه الدقيقة  بل والثانية هي مستقبل ما قبلها وماضي ما بعدها ، فيالتنا فهمنا المستقبل وعملنا فيه وليس له، لأنه لن يأتي بل هو دوماً في رحيل وهو دوماً في تناقص وعداده هو أعمارنا الفانية وأوقاتنا الضائعة وساعاتنا المؤجلة بالتسويف ، فلنعمل اليوم لليوم وليس للغد لأن الغد لن يأتي إلا في الغد، وسيأتي الغد وبعضنا قد رحل وأصبح ماضي ، في الوقت الذي كان مشغولاً فيه بالعمل للمستقبل ونسي أنه هو الماضي، فمن اليوم لنبدأ في عمل الأشياء المؤجلة وانهاء المشاريع المعلقة والتواصل مع الأحباب وقضاء الوقت مع الآباء والأبناء، وزيارة الأحباء قبل الرحيل ، فإن لم يرحلوا هم ، فنحن الراحلون.

صديقتي الناكرة

صديقتي الناكرة


قابلتُ انسانة عرفتها يوم ما، وقضيتُ معها أياماً عديدة ، بل سنوات دراسية ، ولكني تفاجأتُ عندما فرحت بلقائها  بالصد والنكران ! فهي تتظاهر ليس فقط بأنها لا تعرف اسمي، بل تزعم أنها أيضاً لا تذكرني مطلقاً ! لماذا؟ هل ذكرياتها في هذا المكان الذي جمعنا سيئة إلى الدرجة التي لا تريد فيها أن تتذكر المكان ولا من عرفتهم فيه ؟!! أحيانا – خصوصا إذا كانت صديقة قديمة جداً في مرحلة السنين الدراسية الأولى – تكون فعلاً قد نسيتني تماماً، وليس هؤلاء من أعنيهم ، بل من عرفوني وعرفتهم جيداً خلال مرحلة ما .

من وجهة نظري - الشخصية جداً - أستغرب استنكار الناس ونكرانهم ! فكيف يعقل – بحسب وجهة نظري أيضاً- أن أتنكر لأشخاص عرفتهم جيداً وسمعت قصصهم وربما أكلت وشربت معهم ! هم كانوا جزءاً – ولو صغير جداً- من حياتي وجزءاً من أوقاتي وقضيت معهم ساعات من عمري ! وهل العمر الا دقائق وساعات وأيام ؟ إذا عرفنا شخصاً ما، سواء ترك لنا ذكرى حسنة أو سيئة فهو قد أصبح رغماً عنا جزء من عمرنا وجزء – وإن كان مظلماً - من ذكرياتنا، وقد شغل حيزاً من دقائق وساعات عمرنا، قد يلومني البعض فيقولون إذا كانت ذاكرتك حديدية فليس كل الناس مثلك ويستطيعون تذكر كل من قابلهم! فأقول: من يمتلكون ذاكرة حديدية هم قلة في العالم ويصنفون ضمن أصحاب المواهب الخارقة، ومعظم الناس الطبيعيون مثلي كثيرو النسيان ، والمعروف علمياً أننا نمتلك ذاكرة مؤقتة قصيرة يتم تخزين المعلومات الغير هامة بها، وبالتالي قد ننسى وجوه الأشخاص الذين نقابلهم مرة واحدة أو بضعة مرات قليلة . ليس هذا ما عنيته، بل ما أعنيه هم الأشخاص الذين كانت تربطنا بهم في يوم من الأيام علاقة صداقة، أو زمالة ، شراكة مكان وعمر ، شراكة ظروف معينة ، هؤلاء من تبادلنا معهم – أو عشنا معهم – هموماً مشتركة ، وربما روينا لبعض أجزاء من قصص حياتنا، أو اقترحنا على بعض حلولاً لما نبثه لبعضنا من الهموم ، هؤلاء من كانوا في يوم من الأيام جزء من حياتنا فكيف لنا أن ننساهم ؟ فنحن بنسيانهم ننسى أيامنا التي عشناها معهم وننسى أوقاتنا التي قضيناها معهم، أي ننسى بضعة أجزاء من عمرنا !! فنحن في الحقيقة لا نتنكر لهم فقط ، بل نتنكر لأنفسنا ، ولا نتناساهم هم فقط بل نتناسى جزء منا وجزء من عمرنا، ربما أستطيع تبرير نكرانهم هذا بأنهم ربما يريدون نسيان جزء من أعمارهم يعتبرونه مظلماً ، وربما يريدون نسيان مرحلة عمرية معينة كنت أنا جزء منها ، حينها ربما تود هذه الصديقة نسيان المرحلة و "ملحقاتها" ! ولكن يبقى سؤال يجول في خاطري : هل وجود مرحلة مظلمة في حياتنا نود نسيانها يبرر لنا التنكر لكل من كان جزء في هذه المرحلة؟ إذاً أين الوفاء إذا فعل الجميع ذلك ؟ هل من الأفضل لي نسيانها كما نستني ؟ لا أرى ذلك ، و لن أسمح لها بمحو صفحة في حياتي ، و سأظل أتذكرها حتى وإن نستني وحتى وإن لم نعد صديقات فليست هي من تقرر بقاءها والذكريات التي ربطتني بها في ذاكرتي ، ستبقى ذاكرتي لي وحدي بل وستبقى هذه الصديقة "الناكرة" في ذاكرتي رغماً عنها ولكنها ستبقى وعلى أطلالها في الذاكرة ختم "ناكر" .