الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

صديقتي الناكرة

صديقتي الناكرة


قابلتُ انسانة عرفتها يوم ما، وقضيتُ معها أياماً عديدة ، بل سنوات دراسية ، ولكني تفاجأتُ عندما فرحت بلقائها  بالصد والنكران ! فهي تتظاهر ليس فقط بأنها لا تعرف اسمي، بل تزعم أنها أيضاً لا تذكرني مطلقاً ! لماذا؟ هل ذكرياتها في هذا المكان الذي جمعنا سيئة إلى الدرجة التي لا تريد فيها أن تتذكر المكان ولا من عرفتهم فيه ؟!! أحيانا – خصوصا إذا كانت صديقة قديمة جداً في مرحلة السنين الدراسية الأولى – تكون فعلاً قد نسيتني تماماً، وليس هؤلاء من أعنيهم ، بل من عرفوني وعرفتهم جيداً خلال مرحلة ما .

من وجهة نظري - الشخصية جداً - أستغرب استنكار الناس ونكرانهم ! فكيف يعقل – بحسب وجهة نظري أيضاً- أن أتنكر لأشخاص عرفتهم جيداً وسمعت قصصهم وربما أكلت وشربت معهم ! هم كانوا جزءاً – ولو صغير جداً- من حياتي وجزءاً من أوقاتي وقضيت معهم ساعات من عمري ! وهل العمر الا دقائق وساعات وأيام ؟ إذا عرفنا شخصاً ما، سواء ترك لنا ذكرى حسنة أو سيئة فهو قد أصبح رغماً عنا جزء من عمرنا وجزء – وإن كان مظلماً - من ذكرياتنا، وقد شغل حيزاً من دقائق وساعات عمرنا، قد يلومني البعض فيقولون إذا كانت ذاكرتك حديدية فليس كل الناس مثلك ويستطيعون تذكر كل من قابلهم! فأقول: من يمتلكون ذاكرة حديدية هم قلة في العالم ويصنفون ضمن أصحاب المواهب الخارقة، ومعظم الناس الطبيعيون مثلي كثيرو النسيان ، والمعروف علمياً أننا نمتلك ذاكرة مؤقتة قصيرة يتم تخزين المعلومات الغير هامة بها، وبالتالي قد ننسى وجوه الأشخاص الذين نقابلهم مرة واحدة أو بضعة مرات قليلة . ليس هذا ما عنيته، بل ما أعنيه هم الأشخاص الذين كانت تربطنا بهم في يوم من الأيام علاقة صداقة، أو زمالة ، شراكة مكان وعمر ، شراكة ظروف معينة ، هؤلاء من تبادلنا معهم – أو عشنا معهم – هموماً مشتركة ، وربما روينا لبعض أجزاء من قصص حياتنا، أو اقترحنا على بعض حلولاً لما نبثه لبعضنا من الهموم ، هؤلاء من كانوا في يوم من الأيام جزء من حياتنا فكيف لنا أن ننساهم ؟ فنحن بنسيانهم ننسى أيامنا التي عشناها معهم وننسى أوقاتنا التي قضيناها معهم، أي ننسى بضعة أجزاء من عمرنا !! فنحن في الحقيقة لا نتنكر لهم فقط ، بل نتنكر لأنفسنا ، ولا نتناساهم هم فقط بل نتناسى جزء منا وجزء من عمرنا، ربما أستطيع تبرير نكرانهم هذا بأنهم ربما يريدون نسيان جزء من أعمارهم يعتبرونه مظلماً ، وربما يريدون نسيان مرحلة عمرية معينة كنت أنا جزء منها ، حينها ربما تود هذه الصديقة نسيان المرحلة و "ملحقاتها" ! ولكن يبقى سؤال يجول في خاطري : هل وجود مرحلة مظلمة في حياتنا نود نسيانها يبرر لنا التنكر لكل من كان جزء في هذه المرحلة؟ إذاً أين الوفاء إذا فعل الجميع ذلك ؟ هل من الأفضل لي نسيانها كما نستني ؟ لا أرى ذلك ، و لن أسمح لها بمحو صفحة في حياتي ، و سأظل أتذكرها حتى وإن نستني وحتى وإن لم نعد صديقات فليست هي من تقرر بقاءها والذكريات التي ربطتني بها في ذاكرتي ، ستبقى ذاكرتي لي وحدي بل وستبقى هذه الصديقة "الناكرة" في ذاكرتي رغماً عنها ولكنها ستبقى وعلى أطلالها في الذاكرة ختم "ناكر" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق