صديقتي الناكرة
قابلتُ انسانة عرفتها يوم ما، وقضيتُ معها
أياماً عديدة ، بل سنوات دراسية ، ولكني تفاجأتُ عندما فرحت بلقائها بالصد والنكران ! فهي تتظاهر ليس فقط بأنها لا
تعرف اسمي، بل تزعم أنها أيضاً لا تذكرني مطلقاً ! لماذا؟ هل ذكرياتها في هذا
المكان الذي جمعنا سيئة إلى الدرجة التي لا تريد فيها أن تتذكر المكان ولا من
عرفتهم فيه ؟!! أحيانا – خصوصا إذا كانت صديقة قديمة جداً في مرحلة السنين
الدراسية الأولى – تكون فعلاً قد نسيتني تماماً، وليس هؤلاء من أعنيهم ، بل من
عرفوني وعرفتهم جيداً خلال مرحلة ما .
من وجهة نظري - الشخصية جداً - أستغرب
استنكار الناس ونكرانهم ! فكيف يعقل – بحسب وجهة نظري أيضاً- أن أتنكر لأشخاص عرفتهم
جيداً وسمعت قصصهم وربما أكلت وشربت معهم ! هم كانوا جزءاً – ولو صغير جداً- من
حياتي وجزءاً من أوقاتي وقضيت معهم ساعات من عمري ! وهل العمر الا دقائق وساعات
وأيام ؟ إذا عرفنا شخصاً ما، سواء ترك لنا ذكرى حسنة أو سيئة فهو قد أصبح رغماً
عنا جزء من عمرنا وجزء – وإن كان مظلماً - من ذكرياتنا، وقد شغل حيزاً من دقائق
وساعات عمرنا، قد يلومني البعض فيقولون إذا كانت ذاكرتك حديدية فليس كل الناس مثلك
ويستطيعون تذكر كل من قابلهم! فأقول: من يمتلكون ذاكرة حديدية هم قلة في العالم
ويصنفون ضمن أصحاب المواهب الخارقة، ومعظم الناس الطبيعيون مثلي كثيرو النسيان ،
والمعروف علمياً أننا نمتلك ذاكرة مؤقتة قصيرة يتم تخزين المعلومات الغير هامة
بها، وبالتالي قد ننسى وجوه الأشخاص الذين نقابلهم مرة واحدة أو بضعة مرات قليلة .
ليس هذا ما عنيته، بل ما أعنيه هم الأشخاص الذين كانت تربطنا بهم في يوم من الأيام
علاقة صداقة، أو زمالة ، شراكة مكان وعمر ، شراكة ظروف معينة ، هؤلاء من تبادلنا
معهم – أو عشنا معهم – هموماً مشتركة ، وربما روينا لبعض أجزاء من قصص حياتنا، أو اقترحنا
على بعض حلولاً لما نبثه لبعضنا من الهموم ، هؤلاء من كانوا في يوم من الأيام جزء
من حياتنا فكيف لنا أن ننساهم ؟ فنحن بنسيانهم ننسى أيامنا التي عشناها معهم وننسى
أوقاتنا التي قضيناها معهم، أي ننسى بضعة أجزاء من عمرنا !! فنحن في الحقيقة لا
نتنكر لهم فقط ، بل نتنكر لأنفسنا ، ولا نتناساهم هم فقط بل نتناسى جزء منا وجزء
من عمرنا، ربما أستطيع تبرير نكرانهم هذا بأنهم ربما يريدون نسيان جزء من أعمارهم
يعتبرونه مظلماً ، وربما يريدون نسيان مرحلة عمرية معينة كنت أنا جزء منها ، حينها
ربما تود هذه الصديقة نسيان المرحلة و "ملحقاتها" ! ولكن يبقى سؤال يجول
في خاطري : هل وجود مرحلة مظلمة في حياتنا نود نسيانها يبرر لنا التنكر لكل من كان
جزء في هذه المرحلة؟ إذاً أين الوفاء إذا فعل الجميع ذلك ؟ هل من الأفضل لي
نسيانها كما نستني ؟ لا أرى ذلك ، و لن أسمح لها بمحو صفحة في حياتي ، و سأظل
أتذكرها حتى وإن نستني وحتى وإن لم نعد صديقات فليست هي من تقرر بقاءها والذكريات
التي ربطتني بها في ذاكرتي ، ستبقى ذاكرتي لي وحدي بل وستبقى هذه الصديقة "الناكرة"
في ذاكرتي رغماً عنها ولكنها ستبقى وعلى أطلالها في الذاكرة ختم "ناكر"
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق